Saturday, February 18, 2006

My article on the Prophet's Caricatures from an art historical view appeared in al-Quds al-Arabi

I thought I should write an article from an art historical point of view that tries to focus more on the cultural rather than the political factors as the former seem to me more influential in the current crisis... The article has appeared in Arabic in two locations: al-Quds al-Arabi (February 18) and Middle East Online. The picture is from a manuscript in the British Library that evokes a medieval caricaturization of Saladin in the context of the Crusades (to the left of the viewer is Richard the Lionheart and to the right is Saladin).


التصوير كوسيط لخطاب الكراهية: رؤية تاريخية—فنية لمسألة الصور الكاريكاتورية للرسول (صلعم)

طارق الكحلاوي
باحث تونسي في تاريخ الفن—جامعة بنسلفانيا (الولايات المتحدة)

اتجهت الآراء التي وقفت الى جانب نشر و إعادة نشر صور الكاريكاتور الدانماركية الى اعتبار القضية الرئيسية في الأزمة الراهنة هي الدفاع عن حق حرية التعبير و من ثمة يقع تعريف المعركة أنها أساسا بين قيم الحداثة (موقف نشر الصور) و القيم القروسطية (موقف رفض نشر الصور). غير أن ذلك ليس دقيقا لأنه من المعروف، بما في ذلك للأخيرين، أن السبب الرئيسي لما يجري بما في ذلك اتفاق غالبية الشارع العربي و الاسلامي على التنديد بالصور هو خطاب الكراهية (hate speech) الذي عبرت عنه و أوصلته للمتلقين المسلمين. إن الدفاع عن الحداثة يقتضي تحديدا رفض القيم القروسطية و ليس خطاب الكراهية و الدعاية العنصرية التي حملته هذه الصورإلا مركبا أساسيا من هذه القيم القروسطية. إنه من المؤمل فعلا أن تكون المعركة حقيقة بين قيم الحداثة و القيم القروسطية لولا أن موقف الكثيرين من المدافعين عن نشر الصور يشير الى أنهم لم يحققوا قطيعة ابستمولوجية مع القيم القروسطية الأوروبية، كما سنبين لاحقا، و لولا أن جزءا من الرفض العربي و الاسلامي يتجاهل أولوية القانون و حرية النشر في المجتمعات الديمقراطية خاصة حينما تتم مطالبة الأنظمة السياسية الأوروبية مصادرة الصحف و لا يعمل في المقابل على استصدار قوانين تنص بشكل واضح على تجريم الخطاب العنصري ضد الاسلام و المسلمين كما حدث بالنسبة لليهودية و اليهود في غالبية الدول الغربية.

إن الفرضية التي اقترحها صاموئيل هانتينغتون (Samuel Huntington) في بداية تسعينات القرن الماضي حول أن "صراع الحضارات" هو الشكل الأساسي للصراعات السياسية القادمة لم تعد مجرد احتمال مبني على رؤية سياسوية للعالم بل حدثا في طور التشكل. و في الواقع لم يكن تقييم هانتينغتون صحيحا نسبيا، للأسف، من حيث توقعاته المستقبلية فقط بل أيضا من جهة تحديده لطبيعة التجربة الحداثية الغربية، و هو أمر لا يتم الانتباه اليه كثيرا عند مراجعة أطروحاته، حيث اعتبر أنه لا يمكن تصور الحداثة الغربية خارج إطارها الثقافي و الذي بقي بالأساس إطارا مسيحيا-يهوديا. و على العكس من بعض الرؤى، الفرنسية بالأساس، و التي تمثل تيارا يعتقد أن التجربة الحداثية الغربية هي بالأساس تجربة لادينية فإن الأحداث تبين بشكل متزايد أهمية الأطراف المحافظة في المجتمعات الديمقراطية و هو ما يعكس استمرارأهمية الهوية الدينية في الواقع الثقافي الغربي. و هنا يصبح المشكل معقدا حيث أنه بالرغم من التوازنات (و ليس القطيعة الكاملة بالمناسبة) التي نجحت التجربة الحداثية الغربية في تحقيقها في علاقة الدين بالدولة فإنه يمكن ملاحظة تواصل ثقل الارث الثقافي الطويل لرؤية عنصرية تروج الكراهية تم تبريرها و لفترة طويلة على أسس دينية. إنه من الخفة الاعتقاد أن التحولات الغربية تجاه التحديث السياسي تتم بنفس النسق الذي تتم فيه عملية التحديث الثقافي و هي عملية لا تعني إستعداء الدين بقدر ما تعني إدماجه و الاعتراف بسلطاته الروحية. إن المثال الدانماركي مؤشر مناسب على تواصل أهمية الثقل السياسي لأطراف محافظة لم تحسم رؤيتها الدينية القديمة خاصة في علاقة بطبيعة الهوية الدانماركية و التي لايزال تمثلها ضمن إطار مسيحي كحد أدنى ثقافي. إن هذه الأطراف تمثل جزئيا صدى لرؤى ثقافية قروسطية لا تزال غير مواكبة للأسس العامة للنظام السياسي الديمقراطي. إن المشكل الأساسي الذي بدأت تزيح عنه الأحداث المتوالية الستار أن التهديد بنشوء حرب دينية قروسطية لا يأتي فقط من مجتمعات لازالت في ضفاف التجربة الحداثية بل أيضا من مجتمعات ساد الاعتقاد بأنها حققت الشروط النهائية لاستكمال المشروع الحداثي. غير أن رد (أو ردود؟) العالم الاسلامي مناسبة مهمة لفهم المفارقة الكبيرة المتمثلة في التباس حق الدفاع عن النفس و رد الخطاب العنصري بواقع غموض ماهية "النفس" هذه بسبب غياب مجال و امكانية النقاش حولها. و هذا الالتباس له علاقة قوية بالتباس آخر و هو القائم بين رد قيمة قروسطية مثل الخطاب العنصري و تبني خطاب مماثل كأسلوب في الرد أو عدم الاعتراف بحق حرية التعبير جملة و تفصيلا كرد "ثأري" على موقف الطرف المقابل.

سنحاول في الفقرات اللاحقة تفكيك هذه الأفكار العامة بشكل نحاول فيه التركيز على نقاط بقيت هامشية بالرغم من الكم الهائل مما قيل حول الموضوع و سنحاول بشكل رئيسي التركيز على المعطى التاريخي-الثقافي ذي التأثير الأطول زمنيا و الذي يملك الأولية في الواقع على العامل السياسي في تفسير الأزمة الراهنة.

حول العلمانية في الدانمارك و صحيفة "جيلاند بوست"
حسبما هو مذكور في الموقع الالكتروني الرسمي "الدانمارك الرسمية" (Official Denmark) التابع لـ "الوزارة الملكية للشؤون الخارجية"، فإن الدستور الدانماركي يقضي بالدعم القانوني و المالي و الاداري للكنيسة المهيمنة أي "الكنيسة اللوثرية الانجيلية" و التي حسب المصدر نفسه ينتسب اليها حوالي 84% من السكان (إحصائيات سنة 1998). غير أن في المجتمع الدانماركي أقليات دينية أخرى مسيحية (كاثوليك، أرتدوكس...) أو غير مسيحية (المسلمين و هم الأكثر عددا، اليهود...) و هي تتمتع بحقوق دستورية مماثلة بما في ذلك حق التعبد و حق التمتع بدعم حكومي بما في ذلك الاعفاء من الضرائب و لو أن تتبع مدى حصول ذلك ليس سهلا. غير أن الاعتراف القانوني و الرسمي بالأقليات الدينية غير الانجيلية لم يكن أزليا بل هو حديث جدا. و على سبيل المثال فحتى سنة 1969 لم يكن لأي من الأُطر الدينية حق تشريع وثائق الزواج باستثناء الكنيسة الانجيلية و التي كانت مُخولة بذلك بشرط الإعلام الموازي للسلطات المدنية. الأهم من ذلك أنه و بالرغم من الاعتراف الراهن بالأقليات الدينية غير الانجيلية فإن تمركز مؤسسات الكنيسة الانجيلية و تداخل صلاحياتها أحيانا مع صلاحيات الدولة يؤكد أن هناك علاقة خاصة بين الدولة و الكنيسة الانجيلية. و هكذا فإن الأكثرية الانجيلية اللوثرية تجتمع مع عدد آخر من الأقليات المسيحية فيما يسمى "الكنيسة القومية الدانماركية" (Danish National Church) و هي تخضع إداريا للحكومة عبر "وزارة الشؤون الدينية" غير أن الأهم من ذلك هو أن القساوسة الذين يتبعونها يتم تكوينهم حتى الآن في مؤسسات تربوية و جامعية حكومية في كوبنهاجن و ارهوس يتم تسييرها من قبل الدولة.
و ترجع هذه العلاقة الخاصة بين الكنيسة الانجيلية و الدولة الى دستور 1849 بعد موجة الثورات التي عمت أوروبا سنة 1848 و شملت الدانمارك و التي أطاحت بالملكية المطلقة و أقامت نظاما ملكيا دستوريا. و يعكس دستور 1849 علاقة توازن معقدة بين الدولة و الكنيسة حيث أقر من جهة بحرية التعبد لكنه أكد بصراحة على "عدم المساواة" الدينية من خلال إلزام الدولة بدعم خاص للكنيسة الانجيلية اللوثرية. لكن الكنيسة لا تبدو هي نفسها منذ ذلك الوقت فقد عرفت توجها داخليا لدمقرطة مؤسساتها، من خلال إلزام أغلب مؤسساتها بالانتخاب الدوري خاصة منذ بداية القرن العشرين، و التنوع الجنسي، من خلال منح النساء حق تصدر مناصب القيادة الدينية منذ سنة 1947 حتى أنه تم انتخاب أول سيدة في منصب الأسقفية سنة 1995. و بالرغم من التوجه اللاديني القوي في المجتمع الدانماركي خلال ستينات و سبعينات القرن العشرين فإن "الكنيسة القومية" بقيت مؤثرة بقوة بل استرجعت تأثيرها في الحياة الثقافية و السياسية خاصة في العشرية الأخيرة.

يمكن تتبع تأثيرالعلاقة الخاصة بين مؤسسات الدولة و "الكنيسة القومية" من خلال برامج القوى السياسية المهيمنة خاصة من بين الأطياف اليمينية. و هكذا فإنه لا يمكن فهم القوانين المعادية لمنح حق اللجوء و التشديد على اللاجئين و خاصة من ناحية تتبع "إدماجهم" في المجتمع الدانماركي و التي سنها الائتلاف اليميني الحاكم (الحزب الليبرالي و حزب الشعب المحافظ) منذ كانون الثاني (يناير) 2002 دون فهم الشعور الدانماركي المتزايد بـ"هوية ثقافية-دينية ثابتة" و الذي يستمد جزءا هاما من حيويته من تاريخ و التأثير المتواصل لـ"الكنيسة القومية". و في الواقع هنا يأتي دور و مكانة صحيفة "جيلاند بوست" (Jyllands Post) و التي فقط من خلال فهم خلفياتها السياسية يمكن فهم دواعي نشرها للصور الكاريكاتورية. فهي أكثر صحيفة يومية مبيعا في الدانمارك (150 ألف نسخة) و رغم أنها رسميا صحيفة "مستقلة" فإنه من المعروف أنها تتبنى خطا تحريريا يمينيا و يرجع ذلك الى فترة قديمة نسبيا حينما بدأت تتلقى دعما ماليا من قبل الحزب المحافظ سنة 1938. في الحقيقة هذه المرحلة المبكرة مهمة للغاية حيث كانت "جيلاند بوست" تتدعم خلال العشرينات و الثلاثينات من القرن العشرين بشكل معلن القوى الفاشية و النازية عبر أوروبا و كانت لها علاقة قوية في الدانمارك بمتعاطفين مع الفوى الفاشية خاصة بقساوسة معادين للديمقراطية و قيادات عسكرية ملهمة بالتجربة الفاشية الايطالية. و حتى بعد سقوط النازية بقيت العلاقة الخاصة مع أطراف يمينية دانماركية محورا أساسيا في خط الصحيفة و هكذا تتأقلم مع الظرفية اليمينية العامة سواء خفتت أو قويت سطوة التيارات اليمينية و تحديدا في علاقة بنظرتها للـ"الآخر". و لهذا فإن تصاعد النظرة السلبية للأجانب و خاصة المسلمين من قبل الحزب الشعب المحافظ أو غيره من التيارات اليمينية إثر أحداث 11 أيلول (سبتمبر) أدت الى تصعيد خط تحرير الصحيفة من مواقفها تجاه غير الدانماركيين من اللاجئين و على سبيل المثال فقد تعرضت الصحيفة للانتقادات من قبل عدد من مؤسسات رسمية و غير رسمية للنشر و الانتاج الثقافي جراء مقالاتها "العنصرية" تجاه اللاجئين الصوماليين سنة 2002. [1]

إن خط تحرير "جيلاند بوست" مؤشر رئيسي على صياغة أو إعادة صياغة مفاهيم ماهية "الدانماركي" و "الآخر" في المجتمع الدانماركي. و هنا لا يمكن عدم تحسس العلاقة بين معطيين أساسسين: ففي الوقت الذي تتصاعد فيه المشاعر الدينية التي تتجه لإعادة تعميق التداخل بين ماهو "دانماركي" و ماهو "انجيلي لوثري" فإن الصحيفة الأولى للتيار اليميني الديني تركز بشكل لافت و غير حداثي بالمرة (عنصري) على ماهو غير لوثري في الدنمارك و خاصة ماهو مسلم. إن نشر الصور لا يأتي في هذه الحالة في إطار تعبير ساذج و غير محسوب يستهدف تأكيد قيمة حداثية أساسية مثل حرية التعبير و النشر كما لا يأتي أيضا في إطار اختبار "حدود" هذه القيمة. و هكذا هناك نقطتين يجب التركيز عليهما: أولا، لم يكن هناك البتة في النموذج العلماني الدانماركي قطيعة مطلقة بين الكنيسة المهيمنة و الدولة بل هناك علاقة قوية تعترف بحقائق ثقافية اجتماعية تتميز بوجود أغلبية دينية انجيلية لا زالت ذات تأثير حتى الآن. ثانيا، بالرغم أن الشعور الديني لا يعني في ذاته نزعة لاحداثية فإنه الظرفية الدانماركية التي لا تتميز بتقاليد عريقة في التنوع الديني و الثقافي تجعل من التركز الديني الانجيلي مصدرا لتحديد هوية دانماركية ذات بعد واحد تطرد فعليا (و ليس بالضرورة دستوريا) الى الهامش ماهو غير انجيلي و هكذا فقط يمكن فهم تصرف الصحيفة الدانماركية و ليس على أساس تصور مجرد لمجال حداثي مجرد يمارس حرية مجردة للتعبير.

حول تقاليد تصوير المسلمين للرسول (صلعم)
إن مسألة تصوير الرسول (صلعم) ليست مسألة محورية في الأزمة الراهنة حيث لا يبدو الاحتجاج القائم هنا على فعل التصوير في ذاته بل على طبيعة التصوير. غير أن بعض الردود في العالم الاسلامي رددت مواقف تعكس رؤى لا تبدو دقيقة تاريخيا. حيث قام البعض برفض تصوير الرسول (صلعم) في ذاته مهما كانت طبيعته و تم تقديم ذلك على أنه موقف اسلامي بديهي و عليه الاجماع المطلق. غير أن الواقع غير ذلك. فمن جهة أولى لم يكن هناك إجماع على هذه النقطة في فترات تاريخية سابقة. و هكذا مثلا تم تصوير الرسول بأشكال مختلفة في عديد الأمثلة خاصة في التصوير الفارسي و التصوير المغولي (الهند) و التصوير العثماني. و في غالبية الأمثلة تم تصوير الرسول مع تغطية وجهه و تمييزه من خلال شعلة نار (هالة) فوق رأسه كما يتم في بعض هذه الأمثلة تجنب تصوير يديه أو ساقيه من خلال تطويل قميصه. و من أشهر المنمنمات (الصور الصغيرة التي تأتي عادة و لكن ليس ضرورة في إطار مخطوطات) الفارسية على هذا النوع هي تلك التي تأتي في إطار مؤلف قصائد الشاعر الفارسي الكبير نظامي و المسماة بـ"خمسة" حيث تعرض لحادثة الاسراء و المعراج في فصلها الأول "مخزن الأسرار" ومن المخطوطات المعروفة من هذا المؤلف مخطوطة رقم 791 في خزانة التوبكابي سراي في اسطنبول و الذي يرجع الى سنة 1506 ميلادية و فيها يظهر الرسول على ظهر البراق و وجهه مغطى. و من أشهر المنمنمات العثمانية على هذا النوع من صور الرسول تلك التي تتكرر في المؤلف العثماني "سير النبي" و من بين المخطوطات المعروفة لهذا المؤلف مخطوط رقم 1222 بخزانة التوبكابي سراي بإسطنبول و الذي يرجع الى سنة 1594 ميلادية و فيه ستة صور للرسول في مراحل مختلفة من سيرته و فيها يظهر دائما بجسده كاملا باستثناء غطاء الوجه و في بعضها تم تطويل قميصه لتغطية يديه و ساقيه. غير أنه في الفترة المبكرة من التصوير الفارسي و العثماني كان يتم تصوير الرسول بشكل كامل أي بوجه مكشوف. و من أول الأمثلة على ذلك بعض مخطوطات مؤلف أساسي في الأدب التاريخي في الفترة الوسيطة و هو "جامع التواريخ" لرشيد الدين حيث يتعرض لحادثة الاسراء و المعراج و في مخطوط معروف من هذا المؤلف نسخ باللغة العربية و لكنه تم تصويره على الأرجح في تبريز يرجع الى سنة 1306 ميلادية يظهر الرسول على ظهر البراق مكشوف الوجه و اليدين و المخطوط محفوظ في مكتبة جامعة ادنبره باسكتلنده تحت رمز مخطوط شرقي رقم 20. صور مماثلة موجودة أيضا في المخطوطات المبكرة من مؤلف آخر و هو "معراجنامه" و الذي يركز على رواية حادثة الاسراء و المعراج و من المخطوطات المعروفة من هذا المؤلف مخطوط بخزانة التوبكابي سراي رقم 2154 يرجع الى بين سنتي 1317 و 1335 ميلادية.

إن هذا التوجه لتصوير الرسول تاريخيا تزامن مع امتناع عن ذلك و يرجع هذا التنافر و غياب الاجماع في الحقيقة الى نقاش أكثر عمومية و هو شرعية تصوير الأجسام البشرية و هي مسألة إشكالية لم ينزل فيها نص محدد و لو أنه كانت هناك أغلبية ترفض تصوير الأجسام البشرية. غير أن هذه الأغلبية لم تنشأ منذ بداية الدولة الاسلامية حيث من المعروف أن الأمويين خلفوا تعبيرات مرئية لأجسام بشرية سواء من خلال صور لأجسام بشرية على الحيطان (حتى عارية مثلما ماهو موجود في قصير عمرة في الأردن حاليا) و حتى على النقود (صورة الخليفة متمنطقا سيفه في سلسلة مبكرة من الدنانير الأموية قبل التعريب الكامل للدينار). و في الحقيقة يتواصل غياب الاجماع حتى الآن حيث من الواضح في المجالات ذات الغالبية الشيعية أنه ليس فقط من الممكن تصوير شخصيات اسلامية رئيسية مثل علي و الحسين بل يمكن أيضا العثور على صور كثيرة الرواج للرسول. و من أشهر هذه الصور صورة فوتوغرافية لشاب يتم تقديمه على أنه الرسول رائجة خاصة في ايران (اكتشف باحثان سويسريان أخيرا أن الصورة أخذت في الأصل من قبل مصورين غربيين في تونس في بداية القرن العشرين). مقابل ذلك نعتقد أن غياب تقاليد التصوير الفني و خاصة تصوير الرسول في غالبية البلاد الاسلامية يقف وراء انتشار الاعتقاد الخاطئ بأن هناك إجماعا حول عدم تصوير الرسول و هو ما ساهم بالتأكيد في تعقيد الأزمة الراهنة. كما أنه من الضروري التأكيد على أن الصورالتي رسمت في الفترة الاسلامية الوسيطة خاصة في المجالين الفارسي و العثماني لم تكن معروفة لغالبية المسلمين حتى داخل هذين المجالين حيث كانت متاحة للمشاهدة فقط لحفنة صغيرة جدا من الناس بفعل أنها موجودة ضمن مخطوطات عالية القيمة لم تكن متوفرة بالضرورة لدى عامة الناس.

الأصول القروسطية للتصوير العنصري للرسول (صلعم)
إن المسألة الرئيسية في الأزمة الراهنة، إذا و على عكس الإعتقاد الخاطئ لدى البعض في العالمين الاسلامي و الغربي، ليست تصوير الرسول بشكل عام بل ما يمكن أن تحمله الصورة من تعبير للكراهية و الازدراء لأمة أو ديانة كاملة. إنه من المغالطة التشكيك في الطابع العنصري لهذه الصور تحت عنوان أنها "اشكالية فقط": فكيف يمكن أن نصف موضوعيا صورة الرسول برأس ذي ملامح شيطانية بديهية و في نفس الوقت بشكل يشبه القنبلة؟ كيف يمكن أيضا أن نصف شكل الرسول و عيناه مغمضتان بعصابة و بشكل بشع و خلفه إمرأتين بملامح بلهاء؟
نعتقد هنا أن الخلفية الخاصة للصحيفة الدانماركية و تحديدا ما تمثله من فهم خاص ذي خلفية دينية-ثقافية للهوية الدانماركية يجعلها لا تعبر في الجوهر عن رؤية حداثية بل عن خط و رؤية ما قبل حداثية بما هي تواصل لتقاليد قروسطية عريقة في أوروبا المسيحية من استعمال الصورة و خاصة صورة الرسول لتوجيه خطاب الكراهية و الازدراء تجاه ديانة أو مجموعة دينية كاملة أي المسلمين و هو بالمناسبة نسق قروسطي عام لم يكن يقتصر على المسيحيين فحسب. و هكذا ليس التعبير المرئي المنشور في الصحيفة الدانماركية جزءا من منظومة قيمية حداثية بقدر ما هو من مخلفات الماضي القروسطي المثقل بهواجس الريبة و الكراهية تجاه الشعوب و الديانات الأخرى. هذه نقطة جوهرية، و على ما أعتقد، لم يقع التركيز عليها بما فيه الكفاية حتى الآن.
سبق ظهور الصور العنصرية ضد المسلمين و التي استعملت الرسول كشخصية محورية في الفترة القروسطية، سبقها، خطاب ثابت و منظم يستهدف تشويه الرسول كسبيل رئيسي لتشويه المسلمين و الذين كانوا يسمون في الخطاب اللاتيني "Saracens". و بلغ هذا الخطاب خلال القرن الثاني عشر ميلادي نقلة نوعية خاصة من حيث طبيعة الاتهامات و انتظامها و تحولها الى صيغ ثابتة يتم ترديدها عبر المجال المسيحي الأوروبي. ففي هذه الفترة كتبت أربع سير للرسول باللغة اللاتينية من قبل قساوسة و رهبان لقيت رواجا كبيرا في الأوساط المدرسية المسيحية ساهمت في ترسيخ أفكار ثابتة عبر الإعلاء من قيمة سلسلة من القصص المختلقة في التراث الفلكلوري المسيحي تركز على أنه "محتال" و "متعطش للدماء". و هكذا باستعمالها المخيال الشعبي المسيحي كمصدر أساسي ساهمت هذه السير التأسيسية لصورة الرسول في الغرب المسيحي ليس فقط في إعادة تصويره في المخيال المدرسي بل أيضا في ترسيخ الصورة الشعبوية عوض تصحيحها.[2]
و من الواضح للباحثين أن هذه "الصورة" المكتوبة كانت المصدر الرئيسي للصورة المرئية التي ستنشأ فيما بعد. و وفرت الصورة وسيطا مناسبا يقتصد مفردات النص و أصبح من المناسب تركز صورة الاسلام و المسلمين في صورة شخص الرسول نفسه. و هكذا ظهرت أول الصور من هذا النوع ضمن مؤلفات متأثرة بالسير الأربعة التأسيسية و من هذه الصور المبكرة صورة لشخص يشبه وحش غرائبي و ذي لحية طويلة وردت في مخطوط لاتيني من القرن الثاني عشر ميلادي بعنوان "في ظهور محمد" (De generatione Machumet) لراهب فرنسي من دير Cluny (محفوظ في مكتبة الأرسنال في باريس برقم 1162). صورة أخرى لقيت رواجا من حيث استنادها لروايات فلكلورية مسيحية و تهتم خاصة بقصة وفاة الرسول حيث تتحدث عن "أكل الخنازير" للرسول و تترجم الصورة هذه الرواية من خلال تصوير شخص الرسول برفقة خنزير و ذلك في مخطوط يرجع الى أواسط القرن الثالث عشر ميلادي (محفوظ في مكتبة معهد كوربوس كريستي في كامبردج تحت رقم 26). نوع آخر من صور الرسول ذات الطابع العنصري في الفترة القروسطية هي تصوير وحش أسود يخرج من فمه لحظة موته و يقع تصوير وجه الرسول بشكل يذكر بصور الشياطين المستعملة في القاموس المرئي القروسطي و تظهر هذه الصورة مثلا في مخطوط مؤلف تاريخي يرجع لأواسط القرن الثالث عشر ميلادي لراهب فرنسي باسم Pierre de Poitiers (المخطوط محفوظ في مكتبة معهد إيتون في وندسور تحت رقم 96).[3] مع تكثف الحملات الصليبية و ما رافقها من تصاعد للحملات التشويه المتبادلة أصبحت صورة شخص الرسول مرافقة لصورة صلاح الدين الأيوبي و أصبح كلاهما يمثلان المسلمين و الاسلام ذاته. و على سبيل المثال هناك مخطوط يرجع لسنة 1242 ميلادي لمؤلف باسم Alexander Laicus يصور كل من الرسول و صلاح الدين برؤوس حيوانات متوحشة يباركان مجموعة من المسلمين في مواجهة مجموعة من المسيحيين أمام الصليب.[4] و لكن لم تكن صورة الرسول المشوهة وحدها المستعملة في تصوير المسلمين بل وقع بشكل موازي استعمال صورة لشخص أو شخوص غير محددة و ذات ملامح شيطانية لتختزل الصورة الجمعية للمسلمين غير أن في كلى الحالتين كان الخطاب ذي طبيعة مماثلة و في إطار نسق عام من القيم القروسطية التعميمية و هذه الصبغة تحديدا أي استعمال القدرة الاختزالية للصورة لتبليغ فكرة عنصرية و تعميمية هي ما شاهدناه في الصور الكاريكاتورية المنشورة في "جيلاند بوست". إن أفضل مقارنة للنموذج الاسلامي هي مع النموذج اليهودي حيث يوفر ذلك أمرين أساسيين: أن أصول الكاريكاتور الذي راج ضد اليهود في القرنين التاسع عشر و العشرين يرجع الى أصول قروسطية و أن مواجهة اليهود لهذه الصور عبر القنوات القانونية و التشريعية ساهم بشكل كبير في الكشف عن الدور السلبي الذي يمكن أن تلعبه الصورة و كيفية حصاره و تهميشه و هو ما يمكن أن يكون سابقة على أساسها يستطيع المسلمون مواجهة الخطاب المعادي الموجه ضدهم و هو، للمفارقة، في جزء منه يرجع لبعض الأطراف اليهودية المتطرفة في الظرف الراهن.

الأصول القروسطية المسيحية لصور اليهود و مقاومتها قانونيا
بسبب وجود أقليات كبيرة من اليهود في المجتمعات المسيحية كانت الصور العنصرية لليهود في التراث القروسطي الأوروبي أكثر بكثير من صور المسلمين غير أن الكثير منها تداخل مع صور المسلمين باعتبار النظرة المسيحية التي تكفر الطرفين على حد السواء. و هكذا كانت الكثير من هذه الصور تجمع شخوص للشعوب غير المسيحية و يرمز كل منها لديانة محددة و هنا كان الكثير منها يرمز للإسلام و اليهودية. و قد قام عدد من الباحثين بدراسات عديدة حول الصور الخاصة باليهود و من أهمها موسوعة أنجزها هاينز شراكنبرغ Heinz Schreckenberg بعنوان "اليهود في الفن المسيحي: تاريخ مصور"[5] أرخ فيها بالصور للعلاقة الوطيدة بين صور الكاريكاتور التي راجت في صحف القرن التاسع عشر و القرن العشرين خاصة خلال حملات معادية لليهود و الصور القروسطية حولهم و غيرهم من غير المسيحيين. من بين الأمثلة على هذه العلاقة هي استعمال غطاء رأس مهين خاص باليهود و رسم وجوه الشخوص اليهودية بأنوف معقفة و طويلة و هي خصائص استمرت مع بداية رواج الرسم الكاريكاتوري في تصوير اليهودي حتى فترة قريبة بما في ذلك خلال المرحلتين الفاشية في ايطاليا و النازية في ألمانيا. و قد تعامل اليهود مع هذه الصور بنفس القدر من الجدية مع تعاملهم مع أي أشكال أخرى من التعبير المعادية لهم و التي تم وسمها تحت خانة "معاداة السامية". و هكذا و في إطار سلسلة القوانين التي تم تشريعها خاصة في أوروبا بين ثمانينات و تسعينات القرن العشرين تم تجريم ليس فقط "إنكار المحرقة اليهودية" بل أيضا أي "تحريض على كراهية اليهود" باستعمال "رموز" معادية لهم. نقطة "الرموز" مثلت مدخلا لمواجهة أشكال تصويرية متنوعة و هو ما جعل ليس فقط الصور النمطية المشوهة لليهود جريمة "تحريض على الكراهية" بل أيضا الرموز النازية بما في ذلك الصليب المعقوف.[6]

غير أنه من الخطأ الاعتقاد أن موضوع تجريم خطاب الكراهية هو أمر بديهي في الظرفية الغربية الراهنة. حيث مازال هناك جدال كبير حول كيفية تحديد "خطاب الكراهية" و كيفية صياغة القوانين المتعلقة بهذا الشأن. و لذلك فإن غياب مثل هذه القوانين يؤدي الى وجود نوع من السلط الاجتماعية العرفية التي تفرض مواجهة و تهميش خطاب الكراهية و هو ما يحدث على سبيل المثال من قبل السود في الولايات المتحدة و الذين ينجحون نسبيا في حشد ما يكفي من الضغط كلما تجرأت بعض القوى للتصريح بمقولات عنصرية معادية للسود.[7] من جهة أخرى يمكن أن تستعمل بعض الأطراف مسألة "خطاب الكراهية" بشكل تعميمي و غير دقيق و هو ما يحدث على سبيل المثال من قبل الأطراف الاسرائيلية خاصة في السنوات الأخيرة و التي تدفع تجاه تجريم الكاريكاتور العربي الموجه ضد شخصيات أو ممارسات إسرائيلية و مماثلته مع الخطاب العنصري تجاه اليهودية في العام و من ثمة تصنيفه تحت خانة "معاداة السامية".

لكن تبقى أهم حجة أخلاقية في صالح المسلمين هي واقع المفارقة الناشئ من الوضع المميز لليهود المحميين قانونا من أي تمييز ديني أو غيره (و الذي يجب أن يكون حال أي طرف ديني أو كائن بشري في الواقع) حيث يشكل ذلك سابقة قانونية تفرض التفكير الجدي في تعميم محتواها على بقية المجموعات الدينية في المجال الأوروبي. إن المساواة الدينية في الاتحاد الأوروبي الناشئ غير مكتملة و هي تحدي حقيقي يؤكد أن هناك فرقا مهما بين التحديث السياسي و التحديث الثقافي حتى في المجال الذي يرى الكثير، بناء على رؤى مثالية، أنه بديهي الحداثة. في المقابل على الأقليات المسلمة تفهم طبيعة المجتمعات التي يعيشون فيها و أن جدة وجودهم هناك تفرض عليهم رؤية مرنة لا تفرط في الحقوق و لا تسكت على أي تهجم معادي أو تمييز و لكن أيضا لا تنتقل الى الانغلاق و استعداء الجميع. و عموما من البديهي أنه ليس و لن يكون أنجع سبيل لمواجهة خطاب الكراهية من خلال إعادة انتاج خطاب كراهية تعميمي مماثل و بالتالي من الضروري دائما التفريق بين خطاب الدفاع عن النفس و حق كره الكارهين و خطاب تعميمي يجعل مثلا من أي دانماركي مسؤول مباشرة عما نشرته صحيفة "جيلاند بوست". و عموما لا يبدو أن ذلك سيكون مفيدا للأقليات المسلمة في أوروبا بما في ذلك المقيمة في الدانمارك.

[1] كل المعطيات الخاصة بتاريخ الصحيفة موجودة في مقال مخصص بها في دائرة المعارف الالكترونية "ويكيبيديا" في نسختها الانجليزية.
[2]من أهم الدراسات حول السير المسيحية المكتوبة حول الرسول في الفترة الوسيطة: Tolan, John. Saracens: Islam in the Medieval European Imagination. New York: Columbia University Press, 2002.
[3] تم نشر هذه الصور الثلاث (تحت أرقام 97 و 98 و 99) في أهم دراسة حول موضوع تشويه غير المسيحيين في الفن القروسطي الأوروبي: Strickland, Debra Higgs. Saracens, Demons, and Jews: Making Monsters in Medieval Art. Princeton and Oxford: Princeton University Press, 2003.
[4] وردت هذه الصورة في دراسة هامة أخرى حول موضوع الفن القروسطي الخاص بالمسلمين: Barber, Malcolm. “How the West saw Medieval Islam” History Today, volume 47 (May 1997): pp. 44-49.
[5] Schreckenberg, Heinz. The Jews in Christian Art: An Illustrated History. Continuum Intl Pub Group, 1997.
[6] جدول تفصيلي بهذه القوانين و محتوياتها موجود في الملحق ب من المرجع التالي: Combating Holocaust Denial Through Law in the United Kingdom. Report by the Institute for Jewish Policy Research Law Panel. 2000.
[7] في علاقة بالنقاش المفتوح حول تجريم خطاب الكراهية في الولايات المتحدة أنظر أحدث دراسة في هذا الشأن: Cortese, A. Opposing Hate Speech. London: Praeger. 2006.

3 Comments:

At 1:05 PM, Blogger Hannibal said...

Good work Tarek! Hey by the way do you have an english version of this article? I bet english readers and speakers will find it pretty intresting and enriching:)

 
At 1:26 PM, Blogger Tarek طارق said...

Thanx.... Yes you're right I should have written something in English too... Well I'd hope I have the time for that... My advisor (Professor Holod) will give a public lecture Tomorrow here in Philadelphia at the Museum of Upenn.... May be I'll ask her to post it...

 
At 3:30 PM, Blogger Tarek طارق said...

Joanna Kirkpatrick send the following interesting comment:

In the nice little image from a medieval ms, of the two knechts, I noticed
that while the Lionheart's face was closed off by his helmet, the Saladin's
face and skin was tinted blue. I wondered if that was because whoever made
the images thought Saladin would be dark-complected, or if there was a color
code analogous to what I find in India in popular arts -- movie posters and
the like: villains and demons usually have blue or green faces.
What do you think?

 

Post a Comment

<< Home